بحث هذه المدونة الإلكترونية

Powered By Blogger

الثلاثاء، 16 مارس 2010

الليلة الكبيرة..الكتابة بعين رسام






لم يكن صلاح جاهين مجرد شاعر نقف عند اسمه، و نعده من علامات الشعر العامي في مصر، بل كان مختلفا و متفردا في كتابة العاميه، لأن أي شاعر يكتب الصورة التي يشعر بها (لذلك اسمه شاعر) و هذا يكفي لتكون جميلة تبعا لدرجة و طريقة إحساسه، لكن جاهين كان يري الصورة الشعرية التي يكتبها مع الإحساسا بها، و لن نبالغ إذا قلنا إنه كان "يشاهدها" تتحرك أمام عينيه، ليكتبها، و ذلك سبب تفرده و اختلاف عاميته عن الكبيرين بيرم التونسي و فؤاد حداد. و سبب كتابة صلاح جاهين بهذه الطريقة أنه في الأصل رسام لجأ إلي الشعر عندما اعترض والده علي الرسم لدرجة أنه التحق بكلية الفنون الجميلة سرا، لكنه لم يكمل دراسته فيها، فاستخدم "عين" الرسام لتكوين الصورة الشعرية فخرجت كاملة تنبض بالحياة، و أضاف إليها إحساس و ملاحظات الشاعر، و فهمه للناس و الواقع، و سخريته الذكية فأصبحت صورته متفردة بلا مبالغة.


و الأمثلة عديدة في أعمال جاهين، منها أغنية "يا واد يا تقيل" التي تقول: "و يبص ازاي/أهو كده كدهو/و ينادي ازاي/أهو كده كدهو/و يعادي ازاي/كدهو"، أكيد كان جاهين يري شكل "النظرة" و "النداء" و "العداء" قبل كتابة هذا الجزء، و في أغنية "بمبي" يقول: "بيت صغير فوق جزيرة لوحدنا و العنب طارح و ريحة البحر هالله" هذه "اللوحة" مرسومة في عيني جاهين قبل كتابتها، و الإحساس فيها يظهر في إضافة "الرائحة".


تتضح عبقرية جاهين و تفرده في "اللوحة" الغنائية "الليلة الكبيرة" التي لن يكتب مثلها مرة أخري، فهي لا تنتمي لفن الأوبريت مثلما صنفها كثيرون، بل هي أرقي منه دراميا و شعريا و محاكاة لواقع المولد الذي لا نعرف كيف وصل جاهين إلي عمق شخصياته و تفكيرها و حسها الفكاهي الطبيعي، في حين أنه ابن قاضي و ينتمي إلي طبقة اجتماعية راقية.

و قد نجا "جاهين" من "المطب" الذي يقع فيه معظم الشعراء عندما يكتبون الدراما، و هو أن تتحدث الشخصيات كلها بلسان واحد هو لسان الشاعر، فيخرج العمل غير حقيقي، بل اضاف صورا جديدة لشخوص "الليلة الكبيرة" منها ما جاء علي ألسنة "بائع الممبار": "استخار و اختار فشه او ممبار"، و "بائع الحمص": "حمص حمص تل ما ينقص ع النار يرقص"، و "بائع السمك": "السمك مقلي كل و برقلي".

و لأن "جاهين" رسام، فقد وضع إطارا للمولد به أهم تفاصيله و هي "الليلة الكبيرة يا عمي و العالم كتيره/ماليين الشوادر يابا م الريف و البنادر"،و صنفهم زيادة في الوضوح "دول فلاحين و دول صعايدة/دول م القنال و دول رشايده"،و "إوعي لجيبك لا العيب عيبك" لأن المولد مشهور بوجود اللصوص، و الأراجوز "الساخر" الذي يصف للعمدة "الساذج" الطريق ل"سيدي المتولي" بطريقة فكاهيه عبقرية ليجعله يتوه في آخرها "تفضل كده تمشي و تلف/ و تخش من مطرح ما طلعت/ و لما تلقي مقلة لب/ تعرف بإنك توهت و ضعت"، في حين يري العمدة أنها "وصفه سهله و هايله"، و يستخدم التراث في "يا أم المطاهر رشي الملح سبع مرات/ في مقامه الطاهر خشي و قيدي سبع شمعات"، و يضفر مشكلة زيادة السكان في جملة "بالذمة ده سابع عيل/مولود من وقت قليل"،و الأجمل أن كل شخصية تتحدث بطبيعتها التي تختلف عن الباقين، و يتضح ذلك في شخصية "الأسطي عمارة" الذي يفتخر بشهرته "من القلعة لسويقة اللا لا"، في حين يدخل المقهي مع "مسعد" بمدح الجالسين "مسا التماسي يا ورد قاعد علي الكراسي" ليستمع إلي الغناء دون أن يطلب مشروبا "اللي هايطلب راح يقعد/و اللي مايطلبش يبعد/يلا بنا نخرج يا مسعد شارع الترماي"، و "آدي كمان قهوه/ يلا بنا يا مسعد ندخل علي سهوه".

و يختتم"جاهين" لوحته بصورة في غاية الجمال و الوعي و هي السيدة التي تاهت إبنتها في المولد "يا ولاد الحلال/بنت تايهه طول كده/رجلها الشمال/فيها خلخال زي ده"،و لن نكرر فكرة رؤية الصورة قبل كتابتها، ليرد عليها رجل يلخص المولد في جملة "زحمة يا ولداه/ كام عيل تاه؟".

إسلام حامد

لينك الجزء الأول


http://www.youtube.com/watch?v=_w_gv4mtGgA


لينك الجزء الثاني


http://www.youtube.com/watch?v=hgjF0iFzOrQ&feature=related

ليست هناك تعليقات: