بحث هذه المدونة الإلكترونية

Powered By Blogger

السبت، 6 مارس 2010

"القاريء"..مأساة جيل إغتصبته ألمانيا..فلم يرحمها









أفلام قليلة تناولت، أو ذكرت خلال أحداثها، محارق ال"هولوكوست" في الحرب العالمية الثانية دون توظيف كل لقطة و كادر و جملة حوار للتعاطف مع اليهود، و إظهارهم ضحايا أفعال الألمان البشعة، و التأكيد علي فكرة "أفران النازية" التي احترق فيها ملايين رغم أن هذه المحارق "المزعومة" شملت الغجر و الشواذ جنسيا و المعاقين و الشيوعيين و قصار القامة و المصابين بأمراض وراثية و المعارضين لنظام هتلر، لكن اليهود فقط هم الذين يستغلونها لتحقيق أكبر مكاسب سياسية و مادية إلي الآن.

فيلم "القاريء" من هذه الأفلام القليلة، بل هو فيلم متفرد لعدة أسباب: الأول أنه مأخوذ عن أول رواية ألمانية تحقق أعلي مبيعات في نيويورك، و هي باسم الفيلم نفسه، و قد طبعت عام 1995 و ترجمت إلي 40 لغة و مؤلفها القاضي الألماني "برنهارد شلينك". و الثاني أن السيناريو الذي تدور أحداثه الرئيسية عامي 1958 (زمن العلاقة الجنسية بين البطلين)،و 1966 (زمن محاكمات "الدرجة الرابعة" لمجرمي الجيش الألماني بعد الحرب العالمية الثانية)، لا يركز علي المحاكمات و لا شرعيتها و لا الجرائم و لا المجرمين، بل يوضح مأساة الجيل الذي ولد أثناء الحرب و تعامله مع جيل أكبر عاش الحرب و فترة النازية و اشترك في مشروع احتلال العالم. و الثالث أن الفيلم يركز علي السلوك الإنساني للمواطن الألماني في تلك الفترة و النابع من طبيعة المجتمع الذي تحول من مجتمع عسكري قوي سياسيا، مقهور إنسانيا، إلي مجتمع مدني، و يعكس ناتج صدام المجتمعين و الذي أفرز أشخاصا غير متزنين ، بل خائفون من كل شيء رغم رغبتهم في المعرفة و التعلم، و لا يأخذون خطوة للأمام حتي لو كان مصير شخص يحبونه يتوقف علي كلمة حق منهم.

إنسانيا، كل علاقات الحب مقدسة و مهمة مهما كان شكلها، لكن فارق السن له أحكام غالبا ما تتحكم في طبيعة العلاقة و هذا لا يعني أنه يفسدها، فعلاقة فتي مع سيدة غالبا ما يحكمها الجنس و هذا ليس معناه عدم وجود حب لأن الجنس الحقيقي صورة عميقة للتعبير عن الحب. و في المجتمعات المقهورة، يتحكم الجنس في تصرفات البشر، و يتحرك معهم في الشارع و العمل و حتي أثناء نومهم، و يجعلهم ينتظرون فرصة و لو ضعيفة لممارسته حتي لو كان شكل المجتمع ككل يظهر محافظا صارما.

"هانا شميتز" نموذج لهذه الشخصية ابنة المجتمع العسكري المقهور، عمرها 36 عاما، و تعمل "كومساري" في المترو، فهي صارمة، جادة، دقيقة، نظيفة (تكوي حتي ملابسها الداخلية، و تشرب اللبن)، لكنها عانس قوية "وحيدة"، و تقيم -بشروطها- علاقة جنسية مع "مايكل بيرج" فتي في المدرسة عمره 15 عاما يكتب الشعر و يجمع الطوابع، و من أسرة هي نموذج للمجتمع الألماني في تلك الفترة، محافظة، و يظهر ذلك في مشاهد تناول الطعام و ديكورات المنزل، لكن كل فرد فيها لديه معاناته الإنسانية الخاصة و التي لا يظهرها حتي لا يعكر صفو مياه الأسرة المستقرة.

يمكن استقبال الفيلم بأكثر من طريقة: الأولي قصة بين فتي و سيدة تنشأ بينهما علاقة جنسية غرضها الشهوة و المتعة، ينتج عنها تدمير نفسي للفتي، لكن شرط السيدة بأن يقرأ لها الفتي قبل ممارسة الجنس لأنها لا تقرأ و لا تكتب، ينقلنا إلي الطريقة الثانية، و هي جهل جيل اشترك في الحرب العالمية الثانية، و ساهم في تدمير جيل يليه يريد التعلم و التخلص من فكرة "ألمانيا النازية". و بملاحظة أن "هانا" تعكس ملامح دولة بأكملها حاول نظامها احتلال العالم فعليا، و تنتظر فرصة لتفريغ طاقتها الجنسية الجامحة جموح "ألمانية هتلر" لحكم العالم، و تخفي شهوتها تحت النظام و الصرامة، و ملاحظة أن عمر "مايكل" هو نفس مدة حكم الحزب النازي لألمانيا 15 عاما (من 1930 إلي 1945 )، ننتقل إلي طريقة ثالثة أشمل في التلقي خاصة أن "هانا" تحاكم بعد 8 سنوات من علاقتها ب"مايكل" بتهمة ترك 300 سيدة يهودية أثناء الحرب تحترقن داخل كنيسة في معسكر "أوشفيتز" الشهير (أقيم عام 1942 و شهد مقتل مليون و نصف المليون شخص) أثناء عملها كحارس علي الكنيسة عام 1943 بعد انضمامها إلي وحدات ال"اس.اس" أو "شوتزشتافل"، (معناها قوة سرية وقائية، تأسست عام 1925، و كان دورها الرئيسي في معسكرات الإبادة، و كان شعارها "شرفي هو خلاصي")، و لم تفتح لهن الباب، فيحكم عليها بالسجن مدي الحياة بدليل إدانة "وحيد" مثلها و هو "تقرير بخط يدها و توقيعها"، و رغم أنها كانت تستطيع إثبات براءتها بسهولة لأنها لا تعرف القراءة و لا الكتابة، إلا أن كبرياءها يجعلها تفضل السجن علي الاعتراف بالجهل، كما أن "مايكل" لم ينقذها رغم أنه الوحيد الذي يملك دليل براءتها، في صورة واضحة لألمانيا تحت قيادة الحزب النازي الذي كان في يده خلاصها ، لكنه فضل الانتقام رغم حبه الشديد لها.

و تتضح رؤية الفيلم في مشهد آخر لقاء بين "هانا" و "مايكل" يوم عيد ميلاده الذي تشاجرا فيه عندما قال لها: "كل شيء بشروطك،و يجب أن اعتذر أنا دائما"، فردت عليه: "لا تعتذر،لا أحد يجب أن يعتذر،إقرأ لي قصة الحرب و السلام"، ثم "تحممه" مثل أم "تحمم" طفلها، لكن من أسفل إلي أعلي، أي تبدأ بقدميه و تنتهي برأسه عكس أي "حموم" طبيعي، كأنها تحاول أن تغسله و تطهره من كل ما فعلته معه، لكن بطريقة خاطئة و غير حقيقية، لذلك شهوتها تغلبها، و تمارس الجنس معه للمرة الأخيرة، كأنها تودعه بعد أن دمرته تماما.
إسلام حامد











هناك تعليق واحد:

حدوته مصرية يقول...

طيب لينك تحميل للفيلم بقى

بس مقال جميل لفيلم واضح انه اجمل